الأمير…الجزء الأول

الأمير - رواية رومانسية - بقلم وليد توفيق

قاربت الشمس على الغروب فى ذلك المكان الساحر من مدينة (الغردقة )المصرية، وبدت الشمس وكأنها تعانق صفحة البحر، فى لوحة جمالية بديعة تخلب الألباب وتأسر العيون و …
“ألاتملين ذلك المشهد أبدا يا(أحلام)؟! “
بدا وكأن (أحلام) لم تسمع سؤال صديقتها (هيام) وهى تتطلع إلى آخر لمحات الشفق الأحمر التى تختفى فوق صفحة البحر، قبل أن تستدير ببطئ إلى صديقتها وهى تقول مبتسمة:
“وأنت…ألا تملين أبدا افساد ذلك المشهد الجميل علينا يا (هيام)؟ “
ابتسمت (هيام) وهى تجيب فى مرح: “افساده عليك فقط ، فهذا المشهد لايروق لى “
وتابعت وهى تغمز بعينها متصنعة الخبث: ” أو على الأقل لست مبهورة به إلى حد الجنون مثل بعض الناس “
لم تضحك (أحلام ) لدعابة صديقتها هذه المرة ، بل سرحت بنظرها فى أمواج البحر أمامها وكانها تلتقط آخر مشهد للبحر قبل أن يحل الظلام ، ثم قالت فى شرود وكأنها تحدث نفسها:
“هذا المشهد فى هذا المكان بالتحديد يحمل لى أحلى الذكريات…فقد كان أبى يعشق هذا المكان عشقا لامثيل له…كان من بين أعماله ومشاغله الكثيرة يجعل وقت الغروب هذا وقت مقدس لايمكن لشئ فى العالم أن يشغله عنه…كان يأتى إلى هذا المكان المنعزل فى هذا الوقت كل يوم بعد وفاة أمى ، يجلس هنا وحده يتابع الغروب…لم يكن احد يعرف أين هو ولم يسمح هو لأحد بأن يسأل عن ذلك فكما قلت كان يعتبره شيئا مقدسا…أو يعتبر هذا المكان وسحره سر عظيم أراد الأحتفاظ به لنفسه”
حاولت (هيام) جاهدة ان تطرد نبرة المزاح فى لهجتها ، وهى تسأل فى فضول قائلة:
“وكيف عرفتى أنتى بهذا المكان إذن ؟! “
ابتسمت (أحلام)فى شرود و قالت وهى لازالت تنظر الى صفحة البحر التى أظلمت تقريبا:
“لقد بدا أبى وكأنه يريد أن يورث سحر هذا المكان لأحد ما، ولأننى ابنته الوحيدة فقد داوم فى ايامه الأخيرة على احضارى إلى هنا…ولايمكنك أن تتصورى قدرالسعادة التى كنت أحظى بها أيامها، لقد بدا لى ذلك المرتفع كقصر عظيم ، يطل على صفحة البحر كله، وحلا لى أن أبى وأنا فقط نعرف هذا المكان، فكما ترين المكان يبعد عن الطريق الرئيسى كثيراً، كما انه لاتوجد أى مشاريع او فنادق أوحتى نوايا لاقامة شئ من ذلك هنا…باختصار هذا المكان المنعزل هو سر أورثنى اياه أبى منذ الثامنة عشرة من عمرى وها أنا ذا بعد سبع سنوات، لازلت أحب هذا السر وأحتفظ به لنفسى “
ضحكت (هيام )وهى تقول فى غضب مصطنع:
“هيى!!ألاتعتقدين أن هناك شخص آخر يعرف السر الآن؟! “
ابتسمت (أحلام)، وهى تنظر إلى (هيام) قائلة فى حنان :
“أنتِ لستِ اى شخص يا (هيام)….أنتِ صديقة عمرى كله وأمى وأبى وأختى وكل ماأملك فى الدنيا “
علت ضحكات (هيام) هذه المرة وهى تتصنع الصرامة الأبوية قائلة:
“حسنا يا ابنتى (أحلام) ….انتِ ابنتى الوحيدة وأريد أن أفرح بزواجك…أريد أن أصبح جدً…ام أنكِ تريدين أن تتزوجى الغروب؟”
ضحكت (أحلام) لدعابة صديقتها قليلا، ثم استعادت شرودها ونظرها الى البحر أمامها ، الذى أظلم تقريبا إلا من بعض أضواء القمر الفضية، ثم قالت فى شرود :
“ومن قال لكِ أننى لن أتزوج هنا؟!”
علت ضحكات (هيام)مرة اخرى وهى تقول فى تهكم:
“ومن ستتزوجين إذن هنا…أحد الحيتان الهائمة؟!ام الدولفين العاشق؟! “
بدا لـ (هيام)أن صديقتها لم تسمعها مرة أخرى وهى تتطلع شاردة فى الفضاء، قبل أن تجيب فى شرود وكأنها تحدث نفسها:
“إننى أنتظره هنا …لاأعرف من هو…لا أعرف كيف يبدو شكله…لا أعرف اسمه…ولكنى أعرف أنه سيأتى …هل تعرفين أميرالأحلام الذى يظهر فى الروايات القديمة…انه هو تقريبا ذلك الأمير……”

تابعت وهى مبتسمة فى شرود، وكأنها ترى ذلك الأمير أمامها فى السماء :

“الفارس…الوسيم…القوى…الشجاع …الذى تملأ قلبه الأخلاق والشهامة…النبل والكرم…العزة والكرامة…الوفاء والاخلاص …الحنان والحب…الكثير من الحب…حب يجعله يتحدى العالم من أجل من يحب…يفعل المستحيل ليصل اليها…لتكون حبيبته…وأميرة قلبه..يقلها حصانه…ويدافع عنها بسيفه…حتى لو كلفه الدفاع عنها حياته…ذلك هو الأمير…الذى…..”
قاطعتها (هيام) وهى تصفق بكفها وكأنها تشاهد عرضا مسرحيا قائلة فى سخرية:
“هائل! عظيم! اكثر من رائع! أنا أعرف أنك مجنونة…لكنى لم اعرف أنكِ بدأتى مرحلة الهذيان! “
رددت (احلام)مستنكرة : “الهذيان؟!”
أجابتها (هيام)قائلة فى نفس اللهجة الساخرة:
“نعم ياعزيزتى هذيان…ذلك الأمير الذى تتحدثين عنه قد انقرض منذ آلاف السنين…لم يعد مؤهلات الفارس هما حصانه وسيفه وأخلاقه…بل أصبحت السيارة الفارهة والحرس الخاص والمال الوفير فى البنوك و……….”
قاطعتها (أحلام) فى حدة:

“وهل أفادتك تلك الأموال عندما تزوجتى برجل أكبر منك سنا أضاع شبابك حتى مات وتركك؟!…هل أفادتك تلك الأموال الطائلة الآن من دون حبيب تعيشين معه طوال العمر ؟!…هل………..”
توقفت (أحلام) وانتبهت فجأة لحدتها الغريبة وثورتها العارمة وكلامها الجارح وآلمها نظرة العتاب والحزن التى أطلت من عينى صديقة عمرها قبل أن تقوم مسرعة نحو سيارتها…فقامت (أحلام) تركض خلفها وتنادى عليها حتى توقفت أمامها معترضة طريقها قائلة:
” (هيام) …سامحينى أرجوك…لم أعنى ذلك صدقينى …لا أعرف كيف قلت تلك الكلمات و……….”
قاطعتها(هيام) قائلة:
“لاعليك يا(أحلام)أعرف أنكِ لم تعنى ما قلتِ…وأعرف كذلك أننا مختلفتان فى أفكارنا كثيرا… “
غمغمت (احلام ) فى قلق:
“لازلت تبدين حزينة….لايمكننى تحمل فكرة اننى آلمتك…لقد كانت حقا خطأ فظيع…”
عادت (هيام) للابتسام لتطمئن صديقتها قائلة:
“أنا لست حزينة…..”
ثم تابعت فى لهجتها المرحة المميزة:
“ثم هل تتصورين أيتها الساذجة أننى سوف أغضب من صديقة عمرى كله ؟!”
نظرتا لبعضهما البعض فى حنان، قبل ان تتجهان الى مكان جلوسهما ليحملا أشيائهم من هناك…ويتجهان للسيارة للعودة إل منزلهما…
كانتا تعيشان معا منذ وفاة والد (أحلام) ووفاة زوج (هيام) كبير السن ليترك كلا منهما أموالا طائلة، كانت لاتعنى بالنسبة لـ (أحلام) الشئ الكثير فقد تربت فى تلك الرفاهية منذ الصغر…إلا أن تلك الأموال الطائلة كانت تعنى الكثير لـ (هيام)…الكثير جدا…فهى لم تعش مثل تلك الطفولة المرفهة التى عاشتها (أحلام) …فقد كان دخل أسرتها البسيطة يكفى بالكاد لتعليم ابنتهما الوحيدة …وأكملا تلك المهمة حتى التحقت (هيام)بالجامعة…وتخرجت بتقدير عالى لتعمل سكرتيرة فى إحدى الشركات الخاصة…وكان ذلك بداية قصة زواجها…فمديرها كبير السن الذى توفيت زوجته ولم ينجب منها أطفالا…أحب (هيام)…أحبها حقا من قلبه وأعطاها أهتمام وحنان لايوصف ولم يكن لتغفله (هيام) فقد لاحظت ذلك…وربما أحبت ذلك الاهتمام والحنان…ولأن الرجل الذى علا الشيب فوديه ليس سئ السمعة أو متلاعب…فقد تقدم لطلب الزواج من (هيام)…ووسط حيرة والديها…وقلقهما وخوفهما على ابنتهما الوحيدة…مالا إلى الموافقة…إلا أنهما ترددا قبل أن يتركا الرأى الأخير لـ (هيام) خوفا من فرضه عليها…وكانت المفاجأة لهما بموافقة (هيام) دون أدنى تردد…ربما وجدت فى ذلك الرجل الذى أحبها حقا تعويض لما فقدته من رفاهية الطفولة…ووجدت فيه أمانا لمستقبلها.وتم الزواج سريعا…وعاشت (هيام) مع الرجل سنة كاملة يغلفها الحب…أحبته (هيام) من قلبها حقا…لم تكن أبدا تلك الفتاة التى تتزوج فقط من أجل المال…ولكن المال كان يعنى لها أن يستمر ذلك الحب ويقهر مصاعب الحياة التى عانت منها الكثير…ولكن الرياح دائما تأتى بما لاتشتهى السفن…مرض زوجها مرضا حادا جعله طريح الفراش…ولكن (هيام) لم تتخلى عنه أبدا…كانت له زوجة وراعية وممرضة…ثلاث سنوات سنوات كاملة قضتها (هيام) بجواره…لم تمل أو تحزن على سنوات شبابها…لم تبكى يوما لأنها تزوجت مثل هذا الرجل الأشيب…ولم تتمنى يوما أن يمت…ولكن ذلك ماحدث!
مات زوجها…وقبله والديها فى تلك السنوات الثلاث…لتبقى (هيام)وحيدة…ولأن (هيام) عانت الكثير جدا…لم تسمح للحزن ان يسيطر عليها لحظة واحدة …عاشت حياتها بكل ماتملك من قوة…دائما هى فى ذلك المرح الدائم…تحاول أن تعوض مرح أيام الطفولة والشباب…ومع إنها لازالت فى السادسة والعشرين من عمرها…وفى قمة جمالها…إلا أنها لم تتزوج…
“لماذا لا تتزوجى يا(هيام)؟!”
لم تستطع (أحلام) أن تكتم خواطرها فى ذهنها أكثر من ذلك، فنطقت السؤال فى حيرة وهما على مائدة العشاء… فتوقفت(هيام)عن تناول طعامها ونظرت إلى (أحلام) فى دهشة، قبل أن تقول فى لهجتها المرحة المميزة:
“هل تريدين التخلص منى بهذه السرعة ياوالدتى؟”
ابتسمت (أحلام)وهى تقول فى حنان:
“أنتى تعرفين اننى أتمنى ان لا نفترق أبداً ياعزيزتى…ولكنى أتسائل…لما لاتتزوجين؟!”
نظرت اليها (هيام) نظرة خاوية، قبل ان تعود إلى ابتسامتها قائلة:

“أقترح أن نؤجل جلسة الأعتراف هذه إلى الغد ياسيادة القاضى…فأنا أريد أن انام الآن”
ضحكت (أحلام) قائلة:
“هكذا أنتى دائما ، تهربين من أى نقاش عن الحب و الزواج “
غمزت (هيام) بعينها فى مرح وهى تقول:
“ربما أنا أنتظر حتى تجدى أميرك و أزوجك و بعدها أتزوج أنا..سأكون فى الثمانين و عندها سأكون أكثر نضجاً و جمالاً و سأتلقى كل خمسة دقائق طلب زواج”
ضحكت الصديقتان فى مرح قبل أن تقول (أحلام):
“هيا بنا الآن لننام، فى انتظار الغد…”
ثم تابعت فى هدوء: “ورحلة إلى الغروب كالعادة…”
لم تكن أى منهما تعلم ان تلك الرحلة فى الغد ستحمل لهم الكثير…
الكثير من المفاجآت..
والخطر…
….

اترك رد