” اليوم ليس ككل يوم ” ..هكذا حاولت ان تقنع نفسك..كذباً..كعادتك كل صباح…
مرت الكثير من الأيام..كلها متشابه..لم تعد متابعة التقويم تستهويك..
تبتسم بسخرية دوماً حين تتذكر أن آخر أيام كنت تتابع بها التقويم بإهتمام كان فى مدرستك الإبتدائية الصغيرة…
ربما لو عاد بك الزمن لتوقفت عن ذلك..و تركت كل يوم يمضى كأعوام…
بدلاً من أعوامك الأن..التى يشبه كل يوم فيها الآخر…
فى محاولتك لإثبات إختلاف يومك..تقرر أن تتأخر عن عملك قليلاً..
تفتح صفحة جديدة..و تبدأ الكتابة…
***
” اليوم ليس ككل يوم ” هكذا تخبر نفسها كل يوم بتفائل لا ينقطع…
تغادر إلى عملها..الذى تمقته..تبتسم فى وجوه زملائها..الذين لا تعرفهم…
بدا لها ان ابتسامتها تفقد بريقها يوماً بعد يوم..دون سبب واضح…
تستمع لزميلتها التى تخبرها بحماس عن زوج محتمل..تسألها عن عمره فتجيب بنفس الحماس:
” أربعون عاماً فقط و …… “
توقفت بعقلها عند كلمة أربعون..هى لم تكمل الثمانية و عشرون عاماً بعد..
لكن زميلتها تصر دوماً على أنها لا يمكنها ان تحلم بالزواج ممن يماثلها سناً او يكبرها بأعوام قليلة…
و دائماً ما تطوعت بأن تحضر لها من يتعدى الأربعون بأعوام او من يبحث عن زوجة أخرى…
” اتفقنا؟! “
تفيق على صوت زميلتها، تنظر لها بشرود، مرددة:
” اتفقنا… “
***
” اليوم ليس ككل يوم ” تود هى لو تمتلك رفاهية الحلم بذلك…
تستيقظ على صراخ ابنها بلا داع..رغم تعديه عامه السادس إلا انه يصر على الصراخ كرضيع…
تحاول جاهدة أن تثنيه عن الصراخ لكى لا يوقظ اخته الرضيعة..لكنها كانت قد استيقظت بالفعل…
تحملها صارخة فى ابنها بالتوقف عن الصراخ، تنظر إلى الساعة، ساعات قليلة تفصلها عن موعد عودة زوجها عن عمله…
إذا عاد و لم يجد طعامه جاهزاً فسيكون صراخ ابنها وديعاً بالنسبة لصراخ زوجها…
تتذكر كلمات أم زوجها فى آخر مشادة بينهما ” مش عارفة ابنى الخايب ااتجوزك على ايه! “
و تقارنه بصوت أبيها الحانى حين كانت تتاخر فى إعداد الطعام و يخبرها بأن ابتسامتها التى تشبه ابتسامة والدتها الراحلة تكفيه…
تفيق على صوت صراخ ابنها مرة أخرى..تنظر إليه فى صمت..تحمل صغيرتها و تمضى لإعداد الطعام…
***
اليوم ليس ككل يوم..هكذا قال لنفسه حين رأى زميلته تبتسم له اليوم…شعر بالإنتصار…
شعور من أوقع بأسير فى حرب طال مداها…
أخيراً استسلمت له..مع معرفتها بكونه متزوج..مع معرفتها بأن لديه ابناً و ابنة رضيعة…
تنقطع فرحته لحظة حين يتخيل زوجته حاملة لرضيعتها و هى تتلقى خبر زواجه…
ينفض عن ذاكرته تلك الخاطرة و هو يقارن بين قوام زوجته المترهل و قوام زميلته الممشوق…
يعود إلى ابتسامته حين يتذكر كيف ستسعد أمه بزوجته الجديدة..
يفق من خياله على خطوات زميلته وهى تقترب منه هامسة:
” قلتلهم فى البيت، مستنينيك انهارده “
***
” اليوم..مثل كل يوم…” تبدأ انت فى إعتياد الحقيقة..
كما إعتاد أهل بلدتك التشابه..منذ الميلاد..و حتى الممات…
كما اعتادوا أن يلعنونك إذا حاولت أن تخطوا بعيداً عن دربهم…
ستعتاد…
كما إعتاد أهل هذا البلد القريب وهج الدمار..و صوت الموت…
كما إعتاد أهل هذا البلد البعيد الصمت..و الموت أحياء…
ستعتاد..تماماً كما إعتادت الشمس أن تشرق كل يوم..
على أرض لم يعد كثيرون بها يستحقون الحياة…..
تنظر إلى ما كتبت..تطوى الورقة..تنظر إلى الساعة..تأخرت عن العمل ساعة و نصف..
تتخيل زملائك فى العمل و هم يتعجبون من تأخرك للمرة الأولى منذ أن عملت فى ذلك المكان الذى لا تنتمى إليه فى الأصل…
تردد داخل عقلك ” سيعتادوا “